کتاب الخمسابواب ما یجب فیه الخمس1. باب وجوبهالحدیث الثانیالاستفادات الفقهية

أن الخمس شرع بدلا عن الصدقة

یستفاد من قوله (علیه السلام): (لما حرم علینا الصدقة أنزل لنا الخمس) أن الخمس شرع للأئمة (علیهم السلام) و بنی هاشم  بدلا عن الصدقة.

وجه الاستفادة:

ظاهر قوله (علیه السلام): (لما حرم علینا الصدقة أنزل لنا الخمس) و صریح قوله (علیه السلام) فی روایة العیاشی: (أبدلنا بها الخمس)[1]، أن الخمس شرع للأئمة (علیهم السلام)، بل لغیرهم من بنی هاشم ـ بناءً علی استظهار التعمیم من (لنا)[2] ـ بدلاً عن الصدقة.

و هذه البدلیة قد جعلها الأصحاب فی کلماتهم دلیلاً أو مؤیداً لأحکام فی باب الخمس.

أحدها: ثبوت الخمس فی أرباح المکاسب

توضیح ذلک: إن الخمس لو کان مقصوراً علی غنائم دار الحرب و لم یکن متعلقاً بما له دوام و استمرار من الأرباح و التجارات، خَلَت أیدی فقراء بنی هاشم عما یعیشون به فی عصر الهدنة الذی هو عصر طویل الأمد؛ ضرورة أن الحرب لیست قائمةً بین المسلمین و الکفار دائماً، فلا بد أن یکون الخمس متعلقاً بما له دوام و استمرار فی جمیع الأعصار کالزکاة، لتستقیم البدلیة الأبدیة، و لا یکون الهاشمی أقل نصیباً من غیره[3].

المناقشة:

أن هذا البیان و إن اقتضی عدم اختصاص الخمس بغنائم الحرب إلا أنه لا یقتضی ثبوته فی الأرباح بعد ما ثبت من تعلق الخمس بالمعادن التی هی أموال کثیرة و لها دوام و استمرار.

ثانیها: وجوب دفع سهم السادة إلیهم فی عصر الغیبة

إن ما دل علی البدلیة یؤید الحکم المزبور بعد ثبوت تحریم أخذ الزکاة فی ذلک العصر، فلا بد من دفع عوضها إلیهم کی لا یحرمون من العوض و المعوض معاً[4].

ثالثها: إثبات بعض شرائط مستحق الزکاة لمستحق الخمس من السادة

ذلک بأحد التقاریب التالیة:

التقریب الاول:

أن المستفاد من دلیل البدلیة أن مستحق الخمس هو الذی یستحق الزکاة لو لا سیادته[5].

المناقشة:

أن من الممکن أن یکون جعل الخمس أوسع من جعل الزکاة، فیثبت لکل هاشمی حتی غیر المؤمن و غیر الفقیر، و إن کانت الحکمة فیه بدلیته عن الزکاة باعتبار أن غالبهم استحقه بعد حرمانه من الزکاة.

نعم لو دل دلیل البدلیة علی أن کل من استحق الخمس استحقه عوضاً عن الزکاة، لتم التقریب المزبور. و لکنه غیر ظاهر فی ذلک، لأنه بصدد بیان حکمة التشریع، و هو یلائم مع کون غالبهم کذلک.

التقریب الثانی:

ظاهر دلیل البدلیة اشتراک الخمس و الزکاة فی الأحکام ما عدا اختصاص أحدهما بالهاشمی و الآخرة بغیره.[6]

المناقشة:

أن مفاد الدلیل المزبور البدلیة فی الجعل لا المماثلة فی المجعول فی جمیع الأحکام و الشرائط.[7]

التقریب الثالث:

أن الخمس جُعل لعلة کونه عوضاً عن الزکاة، فیختص بمن هو واجد لشرائط أخذ الزکاة، و إلا لم یکن عوضاً عنها.

المناقشة:

أنه لو فرض کون العوضیة علةً لا حکمةً، فهذا لا یقتضی إلا وجود الحکم فی تمام موارد جعل الزکاة بالنسبة إلی فقراء السادات، و لا تقتضی عدم الخمس فی فرض عدم جعل الزکاة لإمکان وجود علة اُخری غیر العوضیة کعدم اختلاف عشیرة واحدة فی الاستحقاق و عدم حصول النصب لهم بالنسبة إلی أهل البیت (علیهم السلام) مثلاً، کما أن فی قوله: «الخمر حرام لأنه مسکر» لا تقتضی العلیة إلا حرمة کل مسکر، لا عدم حرمة الخمر لعلة اُخری کالنجاسة و الغصبیّة إذا لم یکن مسکرا.[8]

الجواب:

أنه علی تقدیر تسلیم ظهور الدلیل فی العلیة کان مقتضاه انتفاء الحکم بانتفاء العلة؛ إذ الظاهر منه أنها علة منحصرة لسنخ الحکم.

فالعمدة فی المقام منع ظهور الأدلة فی العلیة.

ثم إنه قد ظهر مما تقدم ـ من عدم ظهور دلیل البدلیة فی اشتراک الخمس و الزکاة فی الأحکام ـ عدم تمامیة الاستدلال به فی الفروع الآتیة:

الفرع الاول: جواز إعطاء الفقیر أکثر من مؤونة السنة.[9]

الفرع الثانی: عدم لزوم توضیح سهم السادة علی الأصناف الثلاثة.[10]

الفرع الثالث: قصد القربة فی الخمس.[11]

الفرع الرابع: کون تعلق الخمس بالمال بنحو تعلق الزکاة من الشرکة فی المالیة أو فی العین أو غیر ذلک.[12]

الفرع الخامس: اشتراط البلوغ و العقل فی تعلق الخمس.[13]

ثم إن الاستدلال بالبدلیة ـ لو تم ـ فإنما یحسن فیما إذا اختص دلیل الحکم بالزکاة فأرنا تعمیمه إلی الخمس دون ما إذا کان الدلیل مشترکاً بینهما کما لا یخفی.


[1] وسائل الشیعة 9 : 270، ب29 من أبواب المستحقین للزکاة و وقت التسلیم و النیة، ح7.

[2] کما اُشیر إلی هذا التعمیم فی بعض الأخبار. وسائل الشیعة 9 : 513، ب1 من أبواب قسمة الخمس، ح8.

[5] راجع : مصباح الفقیه 14 : 232، استدلّ به لاعتبار الفقر فی الیتیم، و مثله ما فی مستند الشیعة 10 : 102. و فی المستند فی شرح العروة ، کتاب الخمس 3 : 310، استدلّ به لاعتبار الإیمان.

[6] المستند فی شرح العروة ، کتاب الخمس 3 : 324-323، استدلّ به علی اعتبار عدم کون المستحقّ ممّن تجب نفقته. و لعلّ هذا التقریب مقصود الشیخ الأنصاری أیضاً، حیث قال فی مقام إثبات اعتبار الحاجة فی ابن السبیل: «لأدلّة البدلیّة المستفادة من النصوص و الفتاوى الدالّة علی الاتّحاد فی الحکم و المورد إلّا فی هاشمیّة المستحقّ هنا و عدمها هناک». کتاب الخمس (الأنصاری) : 317.

[10] راجع : جواهر الکلام 16 :  108، و کلامه هذا مثل ما ذکره فی اشتراط الإیمان، ظاهرٌ فی الاستدلال بالبدلیّة، و لکن یظهر ممّا أفاده فی مبحث اشتراط العدالة أنّها لا تصلح إلّا للتأیید. راجع الصفحة 115.

[12] المصدر السابق : 291-290، ذکره وجهاً و ناقش فیه بما یقرب من المناقشة فی التقریب الثانی من التقاریب الثلاثة المتقدمة.

[13] کتاب الخمس (الحائری) : 417-416، و قد أجاب عنه بما تقدّم فی المناقشة فی التقریب الثانی.